بعد شهر من اعتقال قادة نقابة المعلمين، قررت السلطات الأردنية الأحد 23 أغسطس 2020م الإفراج عن جميع أعضاء مجلس النقابة المعتقلين. وبحسب مواقع أردنية، فإن قاضي محكمة بداية عمَّان، محمد الطراونة، قرر الإفراج عن مجلس نقابة المعلمين بالإضافة إلى معلمين آخرين موقوفين على ذمة قضايا مختلفة. ومن أبرز من جرى الإفراج عنهم نائب النقيب ناصر النواصرة، والناطق الإعلامي باسم النقابة نور الدين نديم.
الخطوة الأردنية رغم الترحيب بها لا تمثل مسار تصالحيا من السلطة مع النقابة، ولا يمكن وصفها إلا بإجراء روتيني تقتضيه نصوص القانون، ووفقا لتصريحات محامي النقابة بسام فريحات فإن المادة 114 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، تنص على عدم مشروعية أن تتجاوز مدة التوقيف شهرا، لمن أوقف على تهمة تستوجب السجن سنتين فأكثر. وأوضح أن "الشهر يحسب من أول يوم تم توقيفه فيه سواء كان من المدعي العام أو القاضي، وعليه وبهذه الحالة فإن أي شخص تم توقيفه بتاريخ 25 يوليو الماضي، يكون من الواجب إخلاء سبيله والإفراج عنه يوم الأحد 23 أغسطس الحالي"، وهو ما تم بالفعل.
من جانب آخر، فإن الإفراج عن المعلمين يأتي متزامنا مع بداية العام الدراسي "الأحد 23 أغسطس"، ما يمثل في أحد أبعاده رسالة حكومية بالتهدئة حتى لا تدفع المعلمين نحو الإضراب عن العمل كما جرى في بداية العام الدراسي الماضي.
بداية الصدام وأبعاده
وفي 25 يوليو 2020م اتخذت الحكومة الأردنية خطوة بالغة التصعيد ضد نقابة المعلمين؛ مثلت المحطة الثالثة من الصدام مع النقابة؛ حيث قرر النائب العام حسن العبداللات وقف عمل النقابة وإغلاق مقراتها لمدة عامين. وأفادت وكالة الأنباء الرسمية "بترا" بأن النائب العام بعمان قرر أيضا إصدار مذكرات إحضار بحق أعضاء مجلس النقابة، ومن ثم عرضهم على المدعي العام المختص، لاستجوابهم عن "جرائم" مسندة إليهم، وهو ما تم بالفعل، إذ تقرر توقيفهم. ووفق بيان للنيابة العامة، فإن التحقيقات مع أعضاء مجلس النقابة تشمل اتهامات بـ"تجاوزات مالية" و"إجراءات تحريضية"، فيما ينفي قيادات النقابة المعتقلون صحة تلك التهم. وفي اليوم التالي 26 يوليو قرر النائب العام حظر النشر الإعلامي في تطورات قضية نقابة المعلمين في أعقاب اعتقال 10 من قادة النقابة بينهم الدكتور ناصر النواصرة نقيب المعلمين بالوكالة. الخطوة الحكومية استفزت المعلمين ودفعت الآلاف منهم إلى تنظيم وقفات احتجاجية في عدد من المحافظات الأردنية، شهدت مصادمات ردا على الأجهزة الأمنية التي واجهت الاحتحجاجات بعنف بالغ؛ حتى وصل عدد المعتقلين في صفوف المعلمين نحو 280 معلما.
وبدأت الأزمة بين نقابة المعلمين والحكومة الأردنية في 5 سبتمبر 2019م، في أعقاب استخدام قوات الأمن القوة المفرطة لفض وقفة احتجاجية نظمها معلمون بالعاصمة عَمَّان للمطالبة بعلاوة مالية لمواجهة أعباء المعيشة والغلاء الذي طال جميع أشكال السلع والخدمات. وجرى اعتقال عشرات المعلمين المحتجين، وسرعان ما تصاعدت الأزمة وقرر المعلمون الدخول في إضراب مفتوح عن العمل استمر أكثر من شهر؛ وهو ما مثَّل سابقة أولى في تاريخ المملكة الأردنية منذ إنشائها. ولفك الإضراب، اشترط المعلمون أن تعتذر الحكومة عما تعرض له زملاؤهم من "انتهاكات"، وتنفذ اتفاق علاوة 50 بالمئة من الراتب الأساسي، قالوا إن نقابتهم توصلت إليه مع الحكومة عام 2014. وهو ما استجابت له الحكومة عبر توقيع اتفاقية مع نقابة المعلمين، في أكتوبر 2019، تضمنت 15 بندا بينها العلاوة المالية.
لكن الأزمة تجددت منتصف أبريل 2020م، في أعقاب إعلان الحكومة "تجميد" العمل بالزيادة المالية المقررة لموظفي الجهازين الحكومي والعسكري لعام 2020، بما يشمل وقف صرف علاوة المعلمين، اعتبارا من 1 مايو الماضي، وحتى نهاية 2020، لمواجهة تداعيات أزمة كورونا. واجتمع مجلس نقابة المعلمين، في يونيو 2020م، وأعلن تمسكه بالعلاوة، استنادا إلى أن مرتبات المعلمين هي الأقل بين جميع أجهزة الدولة؛ وأن العودة إلى المرتبات القديمة يجعل من الصعوبة توفير أساسيات الحياة لأسرهم، ليعود المعلمون إلى المشهد مجددا.
تحريض إماراتي
قبل التصعيد الحكومي الأخير ضد نقابة المعلمين، شهد يوليو 2020م، ثلاثة تطورات كان لها بالغ الأثر وإشعال الأزمة بين الحكومة والمعلمين، أولها الزيارة التي قام بها العاهل الأردني الملك عبدالله بن الحسين للإمارات. والتي أعقبها حكم قضائي أردني بحل جماعة الإخوان المسلمين في منتصف يوليو. والتطور الثالث هو التصعيد الإعلامي ضد نقابة المعلمين التي تضم نحو 140 ألف معلم، والزعم أنها تدار من جانب الإخوان رغم أن مجلس النقابة الذي يضم 13 شخصا من مختلف التوجهات ليس بينهم سوى ثلاثة فقط ينتمون إلى الجماعة.
التصعيد الأردني جاء بعد يومين فقط من زيارة العاهل الأردني لأبو ظبي، حيث تم إعلان حالة الطوارئ في الأجهزة الأمنية ووقف الإجازات، في اليوم التالي تم إغلاق كافة مقرات نقابة المعلمين في كل أنحاء الأردن، ووضع اليد على تلك المقرات واعتقال اللجنة المنتخبة كاملة بكل أعضائها، الأمر الذي لاقى غرابةً واستهجاناً، خصوصاً لعدم وجود تفسيرات قانونية وسياق طبيعي لاعتقال أعضاء مجلس منتخب لنقابة، لتكون سابقة لم تمر على تاريخ الأردن، باعتقال كافة أعضاء المجلس.