إلغاء التعليم الأزهري.. مخطط أم زلة لسان؟

- ‎فيتقارير

فجأة وبدون مقدمات، امتلأت وسائل إعلام الانقلاب بالحديث عن تصريحات طارق شوقي، وزير التعليم بحكومة الانقلاب عن مخطط إلغاء التعليم الأزهري خلال الفترة المقبلة، بدعوى العمل على دمجه مع التعليم العام.

وقال شوقي، خلال اجتماع لجنة التعليم في برلمان الانقلاب: إن هناك مناقشات حالية، لبحث إمكانية ضم التعليم العام والأزهري على أن تكون الأمور الدينية اختيارية، مشيرًا إلى أن “الطالب بالتعليم الأزهري يحصل على المناهج العلمية لنظيرة بالتعليم العادى بالإضافة إلى المواد الدينية، وبالتالي سيتم بحث دمج النظامين معًا على أن تكون القضايا الدينية اختيارية”، مضيفًا: “لو تمكنا من إحداث هذا الدمج، سيكون إنجازًا جيدًا”.

هل هي زلة لسان؟

ولعل التصريحات التي أدلى بها “شوقي” وكشف بها عن مخطط إلغاء التعليم الأزهري، سبقها خلال الأيام الماضية هجوم حاد على تعليم الأزهر، والادعاء بأنه “كان سببًا في إشاعة التطرف”، وما بين متهم أو مدافع يبدو أن محاكمة التعليم الأزهري باعتباره المتهم الأول في الإرهاب المزعوم كادت أن تنتهي، والعقوبة بإعدامه باتت وشيكة.

أنت أزهري.. أنت إرهابي

ولعل الخطوات التي تتخذها سلطات الانقلاب لإلغاء التعليم الأزهري كانت جلية منذ البداية، فالخطوة الأولى في طريق تطفيش وصرف أولياء الأمور عن إلحاق أبنائهم بالتعليم الأزهري، تبدأ من وسائل الإعلام، والتي لا تتوقف عن شن حملات تشويه متعمد ضد خريجي وطلاب الأزهر، حيث يتهم تارة بأنه قلعة لتخريج “الإرهابيين” أو أنه “حصن لتعليم الأفكار المتطرفة”.

وبالرغم من أن مواقف الأزهر الرسمية، ترفض التشدد والتطرف، وتدعو للوسطية وسماحة الدين، إلا أن تلك التهمة التي تحاول وسائل الإعلام إلصاقها بالأزهر الشريف، أتت ثمارها بصورة أو بأخرى.

الدكتور محمد أبو هاشم نائب رئيس جامعة الأزهر، قال إن الهجمات الإعلامية الكثيرة واتهام الإعلام لطلاب الأزهري بأنهم إرهابيون، أثرت سلبًا على الأسر وأولياء الأمور، وقرر الكثيرون منع أبنائهم من الالتحاق بالتعليم الأزهري، أو تحويلهم للتعليم العام.

إهمال الأزهر

الاتهامات لم تتوقف من أولياء الأمور للسلطة في مصر بشكل عام وللقائمين على الأزهر بشكل خاص، بتعمد إهمال المستوى التعليمي لطلاب الأزهر، فلا تطوير لمناهج التعليم لتتناسب مع العصر الحالي وعقلية الطلاب، ولا تدريب للمعلمين بصفة مستمرة وتأهيلهم وتثقيفهم تربوياً وعلميًا ومهنيًا.

وبالإضافة لذلك، فإن كثيرًا من المعاهد الأزهرية تعاني من تعيين مدرسين يحملون مؤهلات متوسطة، فضلًا عن أن منطق المدرس الـ (كشكول) لا يزال قائمًا في الأزهر، وهو المدرس الذي يقوم بتدريس ما تراه الإدارة دون النظر لتخصصه مما يجعله لا يستطع القيام بالدور الأمثل.

كما يعاني التعليم الأزهري من عجز شديد في بعض التخصصات العلمية، خصوصًا في المراحل الثانوية، حيث يفتقد التعليم الأزهري في بعض المعاهد بالقرى والأرياف لمدرسين أكفاء في المواد العلمية كالرياضة واللغة الإنجليزية، والفيزياء والكيماء وغيرها.

إمكانات معدومة

وعلى الرغم من الميزانية الضخمة التي يفترض أن تكون بحوزة قطاع المعاهد الأزهرية، نظرًا لوجود بعثات وطلاب ووفود من كل دول العالم للأزهر، إلا أن هناك ضعفًا ربما يكون متعمدًا في إمكانيات أغلب المعاهد الأزهرية، أو إن شئت قلت إن هناك شبه انعدام لتلك الامكانيات مقارنة بموارد وإمكانات التربية والتعليم.

فالمعاهد مبانيها غير جيدة، ولا توجد بالغالبية العظمي بها معامل للعلوم أو للكمبيوتر أو التكنولوجيا، أو مكتبات، وأغلبها عبارة عن فصول، وفناء غير جيد لا يصلح لأي نشاط رياضي٬ فضلاً عن المظهر الخارجي والداخلي للمعاهد، ففي بعض الاحيان تكون الفصول كالقبور بسبب قدم الطلاء وضعف الإضاءة.

لم ينجح أحد

وتعد انخفاض نسب النجاح في الثانوية الأزهرية، بشكل مهين للحد الذي وصلت فيه النتيجة عام 2015، إلى 28 % اعتبرها كثيرون ضمن خطة حكومية لتطفيش الطلاب وأولياء الأمور عن التعليم الأزهري.

وبلغت نسبة النجاح في الثانوية الأزهرية لعام 2011 بلغت 60%، وفي عام 2012 بلغت 51%، وفي عام 2013 بلغت 55%.

وفي أول نتيجة معتمدة للثانوية الأهرية بعد وصول السيسي للحكم عام 2014، كانت نسبة النجاح في الثانوية الأزهرية 41% ، فيما لم تزد عام 2015 عن 28%، وهي النتيجة التي شكلت صدمة كبرى للأزهريين، بينما بلغت نسبة النجاح في 2016، 41% فقط.
ولا تنفك وسائل الإعلام من الترويج لفكرة تحويل الطلاب من التعليم الأزهري للعام؛ بسبب صعوبته.

وبحسب تقرير لموقع “مبتدا” فإن مصادر من داخل مشيخة الأزهر الشريف، قالت إن نسبة التحويلات من قطاع المعاهد الأزهرية بكل المراحل المسموح لها بالتحويلات، ارتفعت عام 2016 لـ67 ألف طالب وطالبة انتقلوا إلى التربية والتعليم.

وأوضحت المصادر أن محافظة الجيزة جاءت فى مقدمة القائمة من حيث عدد الطلاب المنتقلين بـ6 آلاف طالب وطالبة، ثم أسيوط التى شهدت تحويل 4500 طالب وطالبة، وبنى سويف 4400 طالب وطالبة، وبلغت التحويلات فى سوهاج إلى 3000 طالبا وطالبة، أما فى الفيوم فحوّل 2500 طالب وطالبة، والمنيا نحو 2200 طالب وطالبة، والأقصر 600 طالب.

وعلى مدار عشرات السنين، كان لطلاب الأزهر الحق في الالتحاق بجامعة القاهرة، حيث كان المئات منهم يحرصون على الالتحاق بكلية “دار العلوم” على وجه التحديد، في محاولة للدمج بين الثقافة الأزهرية وعراقة كلية “دار العلوم”.

لكن مع بدء قبول أوراق تنسيق طلاب الجامعات العام الماضي، فوجيء طلاب الثانوية الأزهرية بإصدار جابر نصار، رئيس جامعة القاهرة، قرارًا بحرمانهم ورفض دخولهم كلية دار العلوم، دون أي مبرر.

المنع والحرمان لم يقتصر على الدراسة في دار العلوم فحسب، لكنه امتدت أيضًا إلى حرمان خريجي الأزهر من الالتحاق بالدراسات العليا في الكلية ذاتها.

غير مرحب بهم

أيضا فإن هناك اتهامًا يطلقه مئات الخريجين من جامعة الأزهر لحكومة الانقلاب، يتمثل في شعورهم بأنهم يشعرون بإنهم غير مرحب بهم في الوظائف العامة، إذا ما قورنوا بخريجين قطاع التعليم العام.

المفارقة في الأمر، أنه وخلال العامين الماضيين، لوحظ أن أغلب من يتم تعيينهم مدرسين بالازهر الشريف هما خريجين قطاع التربية والتعليم في حين توافر نفس التخصصات لخريجين من الأزهر لكن لايتلفت إليهم.

وكانت تصريحات ومواقف شوقي قد أثارت موجه من الغضب في أوساط المعلمين وأولياء الامور، وكان آخرها قيامه بالتبرع بمبلغ 209 مليون جنيها من أموال الوزارة لصندق “تحيا مصر” الذي يمتلكه قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، الامر الذي استنكرتة حركة “حقي فين” متهمة “شوقي” بتقديم الولاء للبقاء في منصبه، وتساءلت الحركة، في بيان لها، ألم يكن إنفاق هذا المبلغ على تطوير المدارس وتوسعتها وتجديدها أولى بكل هذه الملايين المهدرة؟، مشيرة إلى معاناة المدارس من تهالك المباني والأثاث وغياب أي تطوير أو تجديد بها، وعدم توفر الوسائل التعليمية الكافية، فضلا عن التكدس الرهيب داخل الفصول.

وأثارت تصريحات الدكتور طارق شوقى وزير التربية والتعليم حول إمكانية بحث دمج التعليم العام والأزهرى جدلا واسعا، حيث اتفق عدد من النواب والخبراء مع إمكانية دمج التعليمين، معتبرين أنه ينبغى توحيد التعليم الأساسى الذى يدرس للطلاب بصرف النظر عن الدين أو العرق وترسيخ مبدأ المواطنة.

مسعى غير مسبوق

وانتقد الدكتور محمد الشحات الجندى عضو مجمع البحوث الإسلامية، وأستاذ الشريعة الإسلامية ، حديث الدكتور طارق شوقى وزير التربية والتعليم عن بحث إمكانية التعليم العام والأزهرى فى كيان واحد مع ترك الأمور الدينية الدراسية اختيارية للطلاب.

وقال الجندى فى تصريحات صحفية إنه من المهم جدا عندما يطرح أحد الوزراء مقترحا من المقترحات يحدد الغاية والهدف منه، مؤكدا أن مسعى وزير التربية والتعليم فى هذا الصدد مسعى غير موفق وليس للصالح العام والمصلحة العامة لأن التعليم الأزهرى تعليم يشكل رصيدا للشخصية المصرية، وأيضا لريادة مصر بالمنطقة العربية .

وأضاف الجندى: “نعلم وهذا مشاهد وواقع أن الأزهر يشار إليه كقوى ناعمة كبيرة ينبغى دعمها بدلا من تفريغ مضمونها وتبعيتها لوزارة التربية والتعليم ، وأن هذا الرصيد الكبير للتعليم للأزهر الذى سبقت به مصر على هذا الطريق غيرها حتى من الدولة التى نزل فيها الإسلام، فكيف يمكن بجرة قلم أو بمقترح أن نهيل التراب على كل ذلك ونجعل كما يقال التعليم الدينى اختيارى للطلاب”، مؤكدا أن هذا المقترح يضر أيضا بالشخصية المصرية لأن الشخصية الآن على مستوى الأولاد بالمرحلة الاعدادية والثانوية مفرغة من الناحية الدينية وأصبح ليس لديهم المعلومة الدينية فى حدها الأدنى.

واستطرد الجندى: “أود أن أدق ناقوس الخطر لهذا الاقتراح الذى لم يدرس ولا ادرى ما البواعث وراء هذا الاقتراح ، وألم يكن جديرا بوزير التربية والتعليم أن يجلس مع شيخ الأزهر ويتحدث عن ذلك ، وكيف يقوض الوزير التعليم الدينى لحساب تمييع الشخصية المصرية ويكفى أن طلبة الجامعة لا يعلمون الحد الأدنى من المعلومات الدينية وهناك أمية دينية على مستوى الطلاب”، مؤكدا أن المقترح خطير للغاية وينبغى المراجعة فيه والجلوس مع صاحب الاختصاص فيه وهو شيخ الأزهر”.