هناك مثل فرنسي شهير يقول (الاستطاعة هي الإرادة)، هذا المثل يظهر جليًا خلال إرادة الشعوب الأوروبية أمام أي قرار ينال من حرية أي شعب، أو يؤثر على رفاهيته ومعيشته كونه إنسانًا خلق ليكون كريمًا، حتى إن الشعوب الأوروبية تنتفض لأي قرار يؤثر على مستوى رفاهيتها، حتى ولو كان من باب الضرورة الاقتصادية، أو الثمن هو سنتات بسيطة في رفع سعر أي سلعة.
والمتابع للثورات الأوروبية والتاريخ الطويل لضرائب الدم التي دفعتها هذه الشعوب لتنال حريتها وإنسانيتها، يكشف سر هذه الإرادة، وسر الانتفاضات الشعبية التي تحدث لمجرد رفع سعر سلعة ولو سنتات قليلة.
وليس ما حدث في مظاهرات أصحاب السترات الصفراء ببعيد، بعد أن دامت تظاهراتهم لأكثر من أسبوعين من الاشتباكات مع الشرطة، احتجاجا على وضع ضريبة على المحروقات اضطرت الحكومة الفرنسية، بحسب ما كشفته مصادر، اليوم الثلاثاء، عن إعلان مرتقب تُعلّق خلاله العمل بضريبة الكربون على المحروقات، التي أثارت موجة احتجاجات عارمة في عموم البلاد.
ولم تشر المصادر الفرنسية التي نقلت عنها وكالة الأنباء الفرنسية، إلى أية تفاصيل بشأن موعد الإعلان، أو مدة تعليق العمل بتطبيق الضريبة، الذي تسبب إعلان تطبيقه مطلع 2019، في أعمال عنف راح ضحيتها 4 أشخاص واعتقال وإصابة المئات، إلا أنها أكدت أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قرر رفع هذه الضريبة، بعد احتجاجات هددت استقرار حكمه.
وكشفت أن اجتماعًا عقد، مساء أمس الإثنين، بحضور رئيس الوزراء إدوارد فيليب، وعدد من الوزراء في قصر الإليزيه، حول المبادرة بتهدئة الشارع.
وتشهد فرنسا احتجاجات ينظمها أصحاب “السترات الصفراء”، منذ 17 نوفمبر الماضي، ضد رفع أسعار الوقود وارتفاع تكاليف المعيشة، تخللتها أعمال عنف، حيث استخدمت الشرطة القوة ضد المحتجين.
الشعوب تنتصر
ومن الانتفاضة الفرنسية ضد ضريبة الوقود، إلى ذاكرة الثائر العربي، حيث تختلف الثورات الأوروبية في نتائجها عن ثورات الربيع العربي؛ نظرًا لاختلاف ثقافة الشعوب العربية عن غيرها، وتعتبر أغلب الشعوب العربية أن الخوف على المستقبل والاتجاه للاستقرار على أي ثورة قد تؤدي في النهاية إلى لا شيء، أفضل من الموت في سبيل أي شيء، وهي الأفكار التي دائمًا يروجها إعلام الأنظمة القمعية في الدول العربية.
وتعتمد الأنظمة القمعية في الوطن العربي على ترويج هذه الأفكار عن طريق مشايخ السلطان وإعلام النظام، الأمر الذي يُحدث فوبيا من الثورات لدى بعض الشعوب العربية، رغم أن ثورات الربيع العربي كانت قد حققت تقدمًا هائلًا في الحريات والحقوق بمصر وتونس، لولا انقلاب الجيش في مصر ثم في ليبيا، وعودة الدولة العميقة في تونس، وإجهاض السعودية والإمارات لثورات أهل سوريا واليمن، خوفا من أن تطالهم هذه الثورات.
يقول الشاعر أبو القاسم الشابي: إذا الشعب يوما أراد الحياة ****** فلا بد أن يستجيب القدر. وهو الشعار الذي كانت تردده الشعوب العربية في مهد ثوراتها، حتى أنجزت ما ناضلت من أجله، إلا أن الكرة عادت عليهم، بعد أن تركوا ثورتهم والميدان.
التدخل الأجنبى
وأثبتت الشعوب ذات الإرادة الصلبة أنها لا تفتح مجالا لأي جهة أو دولة أجنبية للتدخل في شئونها، خاصة وأن العلة ليست في الأجنبي الذي يريد أن يرسخ مصالحه، وإنما في الذي يفتح بابه للآخرين للتدخل واستغلال الثروات.
وبقي العرب في العصر الحديث مرتعا للتدخل الأجنبي لأسباب متعددة، على رأسها غياب الوعي بالذات، وغياب رؤية واضحة، وكما لا توجد شعوب خائنة، وإنما هناك أشخاص خونة، أو أنظمة أو قادة. هناك شعوب مضللة أو مقهورة أو جاهلة أو مظلومة، وشعوب مغيبة الوعي ولا تعرف بالضبط حقوقها وواجباتها، ولا حقوق وواجبات القائمين على شئونها. لكن هذه الشعوب تنهض في النهاية بسبب العلاقات الجدلية القائمة بين الظلم وتأجيج المشاعر وانبثاق الوعي.
لكن انبثاق الإرادة الشعبية في النهاية لا مفر سيؤدي إلى تصحيح الأوضاع مهما شذت عن الطريق القويم الذي يخدم الشعب والأمة، أي أن الإرادة عبارة عن صمام أمان يحول دول الاستمرار في الخطأ، ويواجه التضليل وسوء تقدير الأمور أو عدم الدقة في تقديرها.