بعد قيام ثورة يناير، واحتشاد ملايين المصريين في ميدان التحرير، بدأ نظام حسني مبارك الاعتماد على رجال الحزب الوطني الذين تربوا على يد أحمد عز، والدفع بهم الى ميدان مصطفى محمود لتأييد بقاء مبارك، حتى أن نظام العسكر سهل لهم دخول ميدان التحرير يوم موقعة الجمل، لارتكاب مجزرة غيرت من المشهد السياسي على الأرض، بعدما فشلت جحافل مبارك والحزب الوطني، في اجتياح الميدان وطرد الثوار وانتهت المعركة بتنحي مبارك عن الحكم.
المواطنون الشرفاء
خرج حسني مبارك من المشهد، ولكن لم تخرج جحافله، حيث اعتمد عليهم في تكوين مجموعات “أسفين ياريس” للدفاع عن حكم مبارك، والتصدي لمحاكماته ثوريا، وكانت تخرج هذه الجحافل برعاية وإشراف مخابرات العسكر، وكان يتم اختيارهم من بقايا نظام المخلوع الذي كان يستعين بهم في الانتخابات البرلمانية لتزوير النتائج، والحشد لنواب الحزب الوطني.
ومع تطور الوضع السياسي بعد تولي المجلس العسكري الحكم عقب خلع مبارك، تحولت دفة جحافل نظام مبارك، للدفاع عن المجلس العسكري ضد مطالب الثوار بتنحي المجلس وترك الحكم وإجراء انتخابات رئاسية، وما أن تم الضغط على المجلس العسكري، وتم إجراء الانتخابات ونجح الرئيس محمد مرسي.
الرئيس مرسي
وما أن وصل الرئيس مرسي للحكم، حتى أصبح الاعتماد على جحافل النظام في شكل جديد، من خلال دعم هذه الجحافل بمجندين الأمن المركزي ورجال المباحث وأمن الدولة، من أجل حرق البلاد من تحت أقدام الرئيس مرسي، وإشعال فتيل الفتنة، ونيران الأزمات المعيشية، لتأجيج الوضع السياسي، من أجل إثارة المواطنين ضد الرئيس مرسي.
وشهدت مصر تطورا نوعيا في ظهور جحافل ومؤيدي النظام العسكري، بعد أن تم الاستعانة بهم في حرق مؤسسات الدولة وتعطيل مرافقها بداية من المترو وحركة المرور، ونهاية بمنع الموظفين من دخول وظائفهم، فتشكلت مجموعات البلاك بلوك، من مليشيات الكنيسة المسلحة، ومن بقايا نظام حسني مبارك والدولة العميقة بدعم أفراد الأجهزة الأمنية من المخابرات الحربية التي كان يشرف عليها السيسي شخصيا وأمن الدولة.
وفي عام 2013، تردد وصف “المواطنين الشرفاء” في وسائل الإعلام المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي بمصر كثيراً، خلال خروج منظمين للاعتداء على النساء والاطفال المشاركين في مظاهرات الدفاع عن شرعية الرئيس محمد مرسي.
ووصفت قنوات الانقلاب ووسائل إعلامه لأول مرة مصطلح “المواطنين الشرفاء” على الأشخاص الذين يتصدون لتظاهرات رفض الانقلاب .
جرائم العصابات
وبمرور الوقت بات وصفًا متداولا في وسائل الإعلام المحسوبة على سلطة الانقلاب، ويطلق على المجموعات التي تهاجم التجمعات السلمية والشخصيات المدنية المعارضة للنظام الحاكم، أو حتى الرافضة لبعض سياساته المثيرة للجدل.
ألح نظام الانقلاب على استخدام هذا المصطلح لتقنين جرائم هذه العصابات والتعبير من خلالها باسم الشعب المصري، واستخدم الوصف في السنوات الأخيرة بكثافة، خاصة عام 2016 إبان التظاهرات المعارضة لتسليم جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية، وتظاهرات نقابة الصحافيين المصريين ضد اقتحام قوات الشرطة لمقرها، وإلقاء القبض على صحافيين اثنين كانا متحصنين في مقر النقابة بعد علمهما بمطاردة الأمن لهما.
وكشفت صحيفة “الفجر” خلال تقرير بعنوان “الصدفة تقود (الفجر) لكشف لغز بلطجية العشوائيات في عمومية الصحفيين”، وذلك في 5 مايو 2016، يوضح أن واحدة من “المواطنين الشرفاء” الذين حاصروا الصحفيين في نقابتهم، ووجهوا لهم ألفاظا مخلة بالآداب العامة، وإشارات بذيئة، واعتدوا عليهم في بعض الأحيان أمام رجال الشرطة، كانت قد أجرت لقاء مع الصحيفة، كواحدة من سكان منطقة “تل العقارب” العشوائية التي صدر قرار بإزالتها، وقالت إنها أمضت 10 سنوات في السجن، وتعيش مع شقيقتها التي كانت سجينة أيضاً، وطالبت الصحيفة بايصال ندائها الى المسؤولين.
من يديرهم؟
من المعروف للمصريين وقوف الأجهزة الأمنية خاصة المخابرات الحربية لدى السيسي، خلف مجموعات وجحافل المواطنين الشرفاء، وعمل نظام السيسي على إدارة هذه الجحافل بشكل أكثر تنظيما على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي الشارع للاستعانة بهم في أي مناسبة يحتفل بها السيسي، لترسيخ حكمه، وتدشين شرعيته، والمؤكد والثابت من الشهادات المتواترة، ومقاطع الفيديو المصورة، هو أنهم يستهدفون قوى المعارضة بصورة محددة، وأن ظروفهم المعيشية في المناطق العشوائية شديدة الفقر، ومستوياتهم التعليمية المتواضعة أو المنعدمة، لا توفر لهم رفاهية تكوين رؤية سياسية واضحة ومناهضة لقوى المعارضة، ومتابعة فعالياتها السياسية عن كثب، ومعرفة مواعيد وأماكن تجمع المعارضين للسلطة.
ولكن بمعاونة الاجهزة الأمنية بدأ استدعاء المواطنين الشرفاء في كافةا لمناسبات التي تديرها الدولة.
دور أكثر تطورًا
ووصل دور المواطنين الشرفاء لاستدعائهم خلال محافل استقبال بعض حكام دول الخليج، ورؤساء الدول الداعمة لانقلاب عبد الفتاح السيسي، وكان من بينها دفع جحافل المواطنين الشرفاء في استقبال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وتم استدعاء هذه الجحافل مرة أخرى، خلال استقبال العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، حينما جاء لمصر لاستلام جزيرتي تيان وصنافير، وقد دفع السيسي المواطنين الشرفاء لاول مرة في تاريخ دولة في العالم لكي يدافعوا عن أن الأرض ليست أرضهم، ولكنها جزر وأراضي سعودية، وقاموا بحمل صور سلمان وعلم السعودية في ميدان التحرير.
إلا أن الأمر زاد تطورا أكثر فأكثر، واستعان بهم السيسي، خلال استقبال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لغسل يديه من مقتل الكاتب الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
فجأة وصلت حشود المصريين الشرفاء الذين يستعان بهم في مثل هذه المناسبات من مناسبات الدم أو مناسبات غسل الأيادي وتسلم الأيادي بالدماء، واصطف العشرات من الوجوه المعروفة التي اعتاد عليها المصريون أمام عدسات الكاميرات، حاملين علم السعودية، وصور محمد بن سلمان، في مشهد مبتذل مدفوع الأجر، تم إخراجه في مساكن العشوائيات وسط الفقراء الذي استغل نظام السيسي احتياجهم لرغيف العيش، وجاء بهم في زفته الركيكة لتقف على جنبات الطريق تهرف بما لا تعرف من اجل استرضاء الرز السعودي، لعل أن يصيبهم منها بعض حباتها.
محمد بن سلمان
وعلقت الصحفية هند خليفة: ” المصريين اللي استقبلوا محمد بن سلمان ..كل ما تتزنق روح للعشوائيات والجأ للفقرا استغل احتياجهم اللي وصل إنه يكون لرغيف عيش علشان المواقف اللي زي دي و(الحشود الجماهيرية) المفبركة.. ذلهم ودوس عليهم أكتر وأكتر وزود أسعار علشان وقت ما تحتاجهم تلاقيهم “.
وتداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، محادثات من على مجموعات على تطبيق “واتس آب” للاتفاق مع مجموعات المواطنين الشرفاء للنزول أمس للتظاهر في ميدان التحرير بأعلام السعودية، مقابل أجر مادي للشاب 100 جنيه.
ووسط هذه المجموعات تبقى “السرية” المحيطة بـ”المواطنين الشرفاء”، من أجل استخدامهم في أعمال نظام الانقلاب وشرعنة جرائمه.