جاء حكم محكمة النقض الأحد الماضي 25 نومفبر 2018م، بتأييد قرار الإعدام بحق 9 نشطاء والمؤبد لـ6 آخرين متسقا مع توجهات الممارسات القمعية لنظام الانقلاب ومواصلة الإجراءات الانتقامية بحق جماعة الإخوان المسلمين، حيث صدرت عدة أحكام انتقامية مماثلة كان آخرها الحكم بتأييد إعدام 20 من أهالي كرداسة.
وبحسب آخر تقرير صادر عن التنسيقية المصرية للحقوق والحريات أكتوبر الماضي، فإن هناك 56 شخصًا محكوما عليهم بالإعدام حكما نهائيا واجب النفاذ، دون أن تثبت إدانتهم في ظل محاكمات تفقد إلى معايير وضمانات المحاكمة العادلة والنزيهة، وبعد حكم النقض الأخير يرتفع عدد المحكوم عليهم بالإعدام بشكل نهائي إلى 65 بريئا ربما يتم تنفيذ الحكم في أي وقت تراه سلطات العسكر.

وثمة ملاحظات يمكن أن تعصف بهذا الحكم الهزلي المسيس:
أولا: بعد الحادث مباشرة والذي وقع في 30 يونيو 2015م، أدلى السائق الخاص لهشام بركات ويدعى ناصر رفعت، والذي كان يقود السيارة وقت الحادث أن التفجير أصاب الجانب الأيمن من السيارة، وأنه بعد وقوع الحادث استطاع هو والنائب العام الخروج من السيارة، حيث قال له النائب العام: “وديني المركز الطبي العالمي”.
وأضاف، في تصريحات عبر فضائية “إم بي سي مصر”، أن المستشار هشام بركات، خرج من السيارة، وكان بتحدث معه بشكل طبيعي، مضيفًا “وديته مستشفى النزهة لأن المركز الطبي ده كان مشوار. وصدقت على تلك التصريحات أيضا الأنباء الأولية من المستشفى باستقرار الحالة وعلاج النزيف الداخلي، قبل أن تتوارد أنباء عن استقبال المستشفى لـ”عسكريين” قرروا نقل النائب العام إلى أحد المستشفيات العسكرية دون داعٍ.
وأثار الفيديو الذي نُشر مباشرة بعد عملية الاغتيال ويظهر بركات وهو على قيد الحياة ومستلق على الأرض بعيدا عن مكان انفجار الموكب، وملابسه غير مضرجة بالدماء بشكل كامل، علامات استفهام حول اغتياله، خاصة أن بركات كان طريحا على الأرض بعيدا عن موقع التفجير بعدة أمتار؛ فهل قتل النظام هشام بركات من أجل توظيف مقتله سياسيا في الصراع السياسي؟! فلماذا لم تأخذ المحكمة بشهادة السائق وشهود العيان الذين أكدوا هذه الحقيقة؟!
ثانيا: تضارب روايات الداخلية حول المتورطين في الحادث، حيث رصدت وكالة الأناضول هذا التضارب في بيانات الداخلية والنوافذ الإعلامية للنظام العسكري، حيث قالت الشرطة إنها رصدت 11 متورطا في الحادث وإنها قتلتهم، ثم اغتالت 13 من قيادات الإخوان في شقة بمدينة أكتوبر بعد الحادث بأسبوع وهم قيادات قطاع وسط الدلتا وزعمت أنهم متورطون في الحادث، ثم تم الترويج أن الضابط هشام العشماوي هو المتورط في الحادث وأخيرا تم محاكمة مسيسة لهؤلاء الشباب الغض وإجبارهم على الاعتراف بالإكراه تحت وقع التعذيب الوحشي. فلماذا تجاهلت المحكمة هذا التناقض وتلك الروايات الرسمية التي توثقها بيانات الوزارة؟!
وقد رصدت الجزيرة هذا التضارب في التقرير التالي:
ثالثا: بعد الحادث مباشرة، هدد زعيم الانقلاب عبدالفتاح السيسي بالثأر والانتقام، مدعيا أن “يد السلطة مغلولة بسبب القوانين وبطء عمليات التقاضي”، وهو ما تم ترجمته على الفور بإجراء تعديلات تطلق يد السلطة، وتمنحها صلاحيات الهيمنة على السلطة القضائية، لكن السيسي عصف بكل معنى لاستقلالية القضاء، وأجرى تعديلات جوهرية على قانون السلطة القضائية منحته صلاحيات تعيين رؤساء المحاكم في مخالفة صارخة للدستور الذي ينص على استقلالية السلطة القضائية، هذه التعديلات ساهمت في هذه الأحكام؛ حيث كان الرؤساء السابقون لمحكمة النقض يرفضون إصدار الأحكام بناء على تحريات الأجهزة الأمنية فقط، مطالبين بضرورة وجود أدلة وقرائن تثبت انتساب التهم للمتهمين.
لكن اليوم انصاعت محكمة النقض ودخلت حظيرة السلطة وباتت مثل الجنايات تصدر الأحكام الجزافية المسيسة بناء على تحريات بلا أدلة وهو ما يعصف بكل معاني العدالة ويحيل المجتمع إلى غابة تلتهم فيها السلطة كل من يعارضها دون خوف من عواقب.

وعلى هذا الأساس طعن المحامون على حكم الجنايات الذي أيدته النقض بأن حيثيات الحكم أدانت المعتقلين بالجرائم المنسوبة إليهم باطمئنان، استنادًا لتحريات قطاع الأمن الوطني، وبالتالي لم تستخلص المحكمة حقيقة الواقعة من تحقيق أجرته، الأمر الذي يفسد الحكم ويصيبه بالعوار، استنادا لما قررته محكمة النقض من أن التحريات لا تصلح بذاتها أن تكون دليلا كاملا على ثبوت إدانة المتهمين، وأنها لا تعدو كونها تعبر عن رأي محررها.
لكن محكمة النقض بعد تعيين رؤسائها غضت الطرف عن هذه الضمانات الجوهرية وباتت عصا للظام في طريقه للانتقام من كل رافضيه ومعارضيه!