لطالما أرّقت الصحافة بشكل عام، والكلمة الحرّة خصوصًا، قائد الانقلاب السفيه عبد الفتاح السيسي، فتعامل مع كل صحفي كمتهم أو هدف، طالما أنّه يتسلّح بالكلمة لفضح القمع والانتهاكات والجرائم التي يرتكبها العسكر أو عناصرهم الأمنية، وتعرّض صحفيو مصر لانتهاكات متواصلة، وما زالوا، بدأت بالمنع من التغطية مرورًا بالاعتقال، وصولاً إلى إصدار القضاء الشامخ أحكاماً بالإعدام.
أمس الأحد، تداول عدة نشطاء على موقع التواصل الاجتماعي”فيس بوك” تقريرًا أعده أحد المحامين عن أوضاع الصحفيين في مصر خلال أسبوع واحد، وتضمن عدة انتهاكات واعتقال قوات الأمن لعدد من الصحفيين، وندد بالمحاكمات العسكرية التي يتم محاكمتهم أمامها.
تقول الصحفية “أسماء الخطيب” المحكوم عليها بالإعدام: “أعيش حاليًا في تركيا، مع عائلتي المكونة من زوجي وابني، هنا بالنسبة لنا أمان أكثر من بلدنا للأسف، ولا نفكر في الرجوع إلى مصر مرة أخرى، نريد أن نربي أبناءنا في أمان وسلام من دون خوف من حبس أو قتل أو ترهيب من قبل نظام عسكري طاغٍ”.
وتشير الخطيب إلى حالة من الارتباك التي أصابتها لوهلة معرفة أنه حُكم عليها بالإعدام “كان رد فعلي على الحكم مزيجاً من السخرية، لأني لم أكن أتوقعه، والصدمة منه.. لا يمكن تجاهل حكم بالإعدام طبعاً”، لكنها عادت سريعاً لقناعاتها الرافضة للتأثر بما يصدر عن نظام السيسي، “لا أعترف بشرعية نظام الانقلاب وقضائه، وأعلم أنه سينتهي عاجلاً أو آجلاً، وكل هذه القضايا ستسقط. لكن لا أنكر صدمتي من الحكم وبشاعته، لم أتوقع أن ظلم القضاء وفجوره ضد الصحافيين وخصومته معهم تصل إلى هذا الحد”.
وتشير التقارير الحقوقية إلى هذه الانتهاكات؛ إذ صنّفت منظمة “مراسلون بلا حدود”، مصر في المركز 158 من إجمالي 180 دولة حول العالم، في مؤشر حرية الصحافة الذي تصدره المنظمة سنويًا، فيما تقول اللجنة الدولية لحماية الصحفيين إنّ مصر هي واحدة من أكبر السجون في العالم بالنسبة للصحفيين.
أين عمر؟
تناول التقرير – المنشور على الفيس بوك – اختفاء الصحفي عمر السيد طه إبراهيم لما يقرب من شهرين، ويعمل عمر كصحفي (متعاقد) بوكالة أنباء الشرق الأوسط، ونجل السيد طه، مدير تحرير الترجمة بالوكالة، وتم القبض علي عمر فجر يوم الخميس 9 نوفمبر من منزله بـ15 مايو ولا أحد يعرف مصيره منذ ذلك اليوم رغم إرسال والده تلغرافات للرئاسة والنائب العام والداخلية وتقديمه بلاغات للنيابة متعددة يجري تجديدها لنيابة حلوان وتقديمه شكويين لنقابة الصحفيين.
وكذلك الصحفي حسام الوكيل، وهو مختف قسريًا منذ 8 أيام بعد اعتقاله من منزله وسحله أمام طفله البالغ من العمر 4 سنوات، وقد تقدمت أسرته ببلاغات للنيابة بالإسكندرية عن اختفائه ويرفضون الإعلان عن مكان احتجازه حتى الآن.
بالإضافة إلى إحالة الباحث إسماعيل الإسكندراني للنيابة العسكرية بعد تجاوزه فترة الحبس الاحتياطي عامين كاملين دون إحالة للمحكمة منذ يوم 29 نوفمبر الماضي، واستمرار التجديد للصحفيين حسام السويفي وأحمد عبد العزيز بتهم ملفقة بعد القبض عليهما أمام الجميع من على سلم النقابة بعد تلبية دعوة لـ 4 من أعضاء مجلس النقابة بالتظاهر من أجل القدس.
وأخيرا ندد التقرير بشأن صدور حكمين بالحبس على عبد الحليم قنديل وأحمد حسن الشرقاوي في قضية إهانة القضاة، رغم النص دستوريا على عدم جواز الحبس في قضايا النشر وهو القانون الذي يجري تعطيله لأكثر من عامين رغم تقدم نقابة الصحفيين به، ضمن حزمة القوانين المنظمة للعمل الصحفي.
عصر الظلام
في الخامس والعشرين من يناير 2011، اندلعت ثورة شارك فيها جميع أطياف المجتمع، والتحم معها الصحفيون، يهتفون جميعا “عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية”، كان الصحفيون في القلب منها؛ يرصدونها ويتابعون بوصلتها وما آلت إليه الأحداث المتلاحقة، ويسطرون تاريخها بأقلامهم وكاميراتهم؛ مهما سقط منهم من قتيل وجريح ومعتقل.
استمر الوضع على ما هو عليه، حتى انتخاب أول رئيس مدني في مصر في عقب الثورة؛ إذ أصدر محمد مرسي، في أغسطس 2012 مرسومًا بقانون بموجب صلاحياته التشريعية بإلغاء الحبس الاحتياطي للصحفيين، وقُدم علاجًا للقرار القضائي بحبس الصحفي إسلام عفيفي، رئيس تحرير جريدة الدستور المستقلة، احتياطيًا قيد المحاكمة.
ونص المرسوم على أن تكون المادة 41 من قانون الصحافة رقم 96 لسنة 1996 كالآتي: “إلغاء الحبس الاحتياطي للجرائم التي ترتكبها الصحف” فقط، وحذف الاستثناء الذي كان منصوصًا عليه في المادة ذاتها، والذي كان يجيز حبس الصحفيين احتياطيا، إذا وجهت إليهم المحكمة تهمة إهانة رئيس الجمهورية المنصوص عليها في المادة 179 من قانون العقوبات.
غيب الانقلاب الرئيس مرسي مرغما، في الثالث من يوليو عام 2013، وعادت أوضاع الصحفيين في مصر، أسوأ مما كانت عليه، بشهادة منظمات دولية، مختصة فقط بحرية الصحافة والتعبير، وتُشير جميع التقارير الحقوقيّة حول حرية الصحافة في مصر، إلى أنّها في تراجع كبير، لا بل إنّ هناك قيودًا كثيرة تُفرض على الصحافيين، وتبدأ الانتهاكات بالمنع من التغطية، وتصل إلى الاعتقال والسجن وحتى التعذيب..وأحكام بالإعدام.
وبحسب اللجنة الدولة لحماية الصحافيين CPJ، يعتبر عدد الصحفيين في السجون المصرية هو الأعلى على الإطلاق منذ عام 1990، وقالت المنظمة إنّ مصر تحتل المركز الثاني عالميًا، باعتقالها 23 صحفيًا، في الوقت الذي لم يُسجن فيه أي صحفي في مصر خلال عام 2012، بحسب اللجنة، التي لفتت إلى أن السفيه السيسي يواصل استخدام حجة الأمن القومي، بغية قمع رافضي الانقلاب.