في ظل حرب العسكر على الشعب يصبح طبيعيًا أن تأمر نيابة جنوب القاهرة بإخلاء سبيل المقدم أيمن سمير، رئيس مباحث قسم شرطة المقطم، ومعاونه النقيب محمد عبد الحليم، بعد سماع أقوالهما على خلفية تعذيب وقتل الشاب محمد عفروتو، وتجمهر الأهل أمام قسم شرطة المقطم وتحطيمه بالحجارة، إنها ذات مسببات قيام ثورة 25 يناير ضد بطش ووحشية داخلية المخلوع مبارك.
يدرك المتابعون أن الآلاف من شباب مصر مثل ريچيني قتلوا، بدءا من موقعة الجمل ومحمد محمود وماسبيرو وستاد بورسعيد، مرورا بمذبحة الحرس الجمهوري والمنصة ورابعة والنهضة ومسجد الفتح واستاد الدفاع الجوي، وصولا إلى العالمية بقتل السائحين المكسيكيين قصفا بالطائرات، ويتساءل مراقبون: ما معنى أن تقرأ اسم ضابط أمن الدولة خالد شلبي رئيسًا لمباحث الإسكندرية حين قتل سيد بلال ومن قبله خالد سعيد، ثم تجده أمامك رئيسًا للإدارة العامة لمباحث الجيزة حين قتل جوليو ريجيني؟!
فيما يحاول قضاء الثورة المضادة محو كل الأحكام التي أنصفت “يناير” وثوارها، لتكون، مثلاً، ذكرى استشهاد خالد سعيد أيقونة الثورة، هي اليوم الذي يقف فيه محامي حبيب العادلي، وزير داخلية مبارك، في قاعة المحكمة، طالبا رد الاعتبار، ومطالبا الشعب المصري بالاعتذار له، عما لحق به من أضرار نتيجة الثورة “المؤامرة الكونية الماسونية الامبريالية الصهيونية العالمية”.
تعذيب حتى الموت
كان أقارب وأصدقاء الشاب المتوقي “عفروتو” هاجمت قسم شرطة الانقلاب بالمقطم احتجاجا على تعذيبه حتى الموت، وأحرقوا سيارة شرطة، مما أدى إلى تدخل مليشيات الانقلاب وإطلاق الغاز المسيل للدموع لمحاولة تفريق المحتجين.
فيما تواصل نيابة الانقلاب سماع أقوال 43 من الذين تم ضبطهم خلال أحداث الغضب بمحيط القسم، وتلفيق تهم لهم بإشعال النيران في سيارتي شرطة وإتلاف 16 سيارة أخرى كانت متوقفة أمام القسم، فضلاً عن تحطيم زجاج القسم.
وزعم مصدر في داخلية الانقلاب أن التحقيقات الأولية تفيد أن “عفروتو” لم يتعرض لأي تعذيب أو إيذاء جسدي وأنه توفي إثر تناوله جرعة مخدر من نوع الاستروكس، وأن النيابة العامة في انتظار تقرير الطب الشرعي لبيان سبب الوفاة.
فيما قال أحد أصدقاء “عفروتو” أنه تم القبض عليه إثر مشاجرة بينه وبين أمين شرطة، فأخذه في القسم وتم تعذيبه حتى الموت.
شرارة الثورة
منذ انقلاب الثالث من يوليو على الرئيس محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب للبلاد، وتعاني مصر من انتهاكات متنوعة لحقوق الإنسان، وذلك شيء ليس بجديد منذ انقلاب عام 1954 على الرئيس محمد نجيب، ووصول المؤسسة العسكرية لإدارة شئون البلاد ، والوضع في مصر من سيئ إلى أسوأ، فالانتهاكات وقمع للحريات هو ما يميز الحياة العامة في مصر تحت ظل حكم العسكر.
ومن الواضح أن عدد الحالات التي يتم فيها انتهاك لحقوق الإنسان وتمر دون رصد تفوق بمراحل عدد الحالات التي يتم رصدها، وتظل الحالات النادرة التي تنتقل إلى الرأي العام هي البوصلة التي تلقى الضوء على هذا الملف الحيوي، فاهتمام المجتمع بالقضايا الشهيرة ليس إلا لإلقاء الضوء على جميع الحالات دون تمييز أي منها على الآخر.
قبل ثورة 25 يناير 2011 حظيت قضيتا “خالد سعيد” و”سيد بلال” باهتمام الرأي العام بشدة وساعدتا على إلقاء الضوء على الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان التي أفضت إلى الموت، وإلى الآن لم يتم الإعلان عن ملابسات مقتل الطالب والباحث الإيطالي جوليو ريچيني، لكن الثابت أن جثته وجدت ملقاة في بداية طريق القاهرة-الإسكندرية الصحراوي، وقد بدت عليها آثار التعذيب واضحة وثابتة لا تخطئها عين، وإلا ما تم الإعلان عن هذا، في مشهد يعيد إلى الأذهان قضية مقتل الشاب المصري خالد سعيد إثر تعرضه للتعذيب، والتي كانت من شرارات ثورة يناير.
ويستمر سيل الأسئلة: هل ستسفر التحقيقات أن قتل عفرتو محض انتحار بـ”الاستروكس”، أم إننا بصدد حالة مماثلة مثل خالد سعيد أو سيد بلال وريچيني؟
وهل سيدرك الشعب المصري قبل الشعب الإيطالي أن حكومة الانقلاب مسئولة عن مقتل روچيني وعفرتو وعشرات الالآف قبلهم وبعدهم، وأن الغرب بدعمه أنظمة حكم عسكرية فاشية مسئول هو الآخر عن قتلهم وتعذيب عشرات الآلاف بالسجون؟