كتب سيد توكل:
بينما تتصاعد حرب التصريحات والتهديدات بين واشنطن وطهران على خلفية التجربة الصاروخية لإيران قبل أيام، حيث حذر نائب الرئيسِ الأمريكي مايك بنس إيران من اختبار حزم إدارة ترامب إزاءها، يتساءل مراقبون هل هذه الحرب الترامبية مع الملالي حقيقية أم مجرد حلقة أخرى من مسلسل هابط انتهى بتمدد فارسي في المنطقة العربية؟
"لولا إيران لما استطاع الأمريكيون احتلال العراق وأفغانستان"، هكذا صرح قادة النظام الإيراني قبل سنوات قليلة، وعكف النظام الإيراني بعد انتهاء حرب الثماني سنوات مع العراق على تطوير الترسانة العسكرية والنووية وتجنيد عملاء لهم في الدول العربية وتوزيع الأدوار والمهام عليهم لتحقيق أهداف أجندة المشروع الاستعماري.
وقال وزير الدفاع الأمريكي، إن إيران هي الدولة الأولى الراعية للإرهاب في العالم، ما دفع إيران للرد معتبرةً التصريحات الأمريكية وقحة ولا معنى لها.
وبدأت بوادر التصعيد الإيراني الأمريكي في تصريحات ترامب خلال حملته الانتخابية بأنه سيعيد النظر في الاتفاق النووي الإيراني، حيث أكد آنذاك المتحدث باسم الخارجية الأمريكية مارك تونر أن "أي طرف يمكنه الانسحاب "من الاتفاق النووي".
وقبيل فوزه بالانتخابات أكد ترامب أنه سيعيد التفاوض في صفقة إيران، وصرح سابقًا: "لم أرَ في حياتي أي عملية تجارية أقل كفاءة في التفاوض من اتفاقنا مع إيران".
أما بالنسبة للمواجهة العسكرية القائمة بين قوات البحرية الإيرانية والأمريكية في مياه الخليج، فقد علق ترامب على حادثة إطلاق سفن إيرانية مقذوفات باتجاه السفن الأمريكية أن واشنطن أكثر صرامة في مثل هذه المواجهات.
وقدمت إيران المساعدة لأمريكا في حربها على العراق، رغم معرفتها مسبقا بالثمن الباهظ على من يسهم فيها والتورط باحتلال العراق! في الوقت الذي اعتقد أغلب المحللين السياسيين أن الوجود العسكري الأمريكي على الحدود الإيرانية من جهة العراق وأفغانستان والخليج يشكل تهديدا مباشرا على النظام الايراني ، يقوض من تطلعاته ونزعاته التوسعية، إلا أن مجريات الأحداث أثبتت عكس ذلك تماما فتورط أمريكا في المستنقع العراقي (فيما لو افترضنا أن احتلال أمريكا للعراق وفق النظرة الأمريكية كان مغامرة أو مقامرة تورط فيها المحافظون الجدد عرابي الحرب).
كل الأدلة والشواهد تؤكد أن احتلال أمريكا للعراق وأفغانستان أصبح عامل قوة لإيران مكنها من فرض كامل سياساتها الاستعمارية تجاه دول المنطقة والإيغال في نهج السياسات الاستفزازية والتوسعية الواضحة وتصعيد السلوك العدائي تجاه دول المنطقة وضرب قرارات المجتمع الدولي عرض الحائط فيما يخص البرنامج النووي، والاستمرار في حصد المكاسب الكبيرة (الصلبة) بسبب أدوات القوة التي اكتسبها الفاعل الإيراني جراء المغامرات الأمريكية.
وهناك هدفان رئيسيان لمساعدة إيران لأمريكا في احتلال العراق وأفغانستان، الأول إزاحة نظامين عدوين لها (حرب، تدمير، إزاحة خصمين بالوكالة بواسطة الفاعل الأمريكي) دون أن تتكبد إيران في ذلك خسائر بشرية، عسكرية، مادية.
الهدف الثاني، جر أمريكا لمستنقعين يصعب عليها الخروج منهما دون أن تتكبد خسائر باهظة تصب في مصلحة النظام الإيراني فيتمكن الفاعل الإيراني من انتزاع دور اللاعب الأقوى في المنطقة.
ويعتبر بقاء القوات الأمريكية بنزيف طويل الأمد في ساحات مفتوحة كالعراق وأفغانستان تغلغلت فيها إيران وقوت شوكتها بتغذية الجماعات والمليشيات المسلحة ومد جسور التعاون مع اطراف محلية نافذه في كلا البلدين، هو ما مكن اللاعب الإيراني من صياغة قواعد اللعبة ورسم حدود الملعب على الساحتين وخلق حالة ونموذج إيراني بامتياز بمناطق الصراع. أي بمعنى أن أضعاف قوة اللاعب الأمريكي عزز عوامل القوة للاعب الإيراني على الملعب العراقي والأفغاني (الفاعل القوي).