كتب: سيد توكل
«العدالة هي السبيل الوحيد لإنقاذ البشرية من الوقوع في خندق الظلم»، شعار ترفعه محكمة العدل الدولية وما أكثر الشعارات التي لا تساوي الحبر والورق، وفي 13 ديسمبر 1920 تم تأسيس محكمة العدل الدولية الأولى، أعلى وكالة قضائية في هيئة الأمم المتحدة، وهى منوطة بتوفير وسائل سلمية لحل النزاعات القانونية الدولية، كما تضطلع بالنظر في القضايا التي تتقدم بها دول أو منظمات دولية معينة، إلا أنها وإلى الآن انحازت ضد جميع القضايا التي كان المسلمون طرفاً مظلوماً بها.
وتستند قرارات محكمة العدل الدولية على مبادئ القانون الدولي، كما لا تقبل أحكامها الاستئناف، وعدد الأعضاء في هذه المحكمة خمسة عشر عضوا، وتقوم الجمعية العامة ومجلس الأمن باختيارهم بصرف النظر عن جنسياتهم، ويخدمون لمدة تسع سنوات، ومن الممكن إعادة انتخابهم، ويقع مقر المحكمة الرئيسي في مدينة لاهاي بهولندا.
يقول الكاتب السياسي "محمد صقر" :" منذ متى نصرت "محكمة العدل" مستصرخا، أو أنصفت مظلوما؟ وهل أسست من الأصل لفعل ذلك؟".
ويضيف:" كم قضية ظلم فيها البشر منذ أكثر من ستينَ سنة هي عمر "محكمة العدل الدولية".. تلك التي بلغ عدد الأحكام التي أصدرتها خمسة وتسعين قرارا.. فقط 95 في ستين عامًا، وفي كل عامٍ يفتن الناس مراتٍ ومرات؟ أسئلة حيرى كثيرة لا تحير "محكمة العدل الدولية" عنها جوابا. ليس فقط، وإنما تتمدد الأسئلة لتشمل النظام العالمي الجديد الحاكم للعالم.. أركانه.. مؤسساته.. فضلا عن غايته وأعماله.. والقائمين عليه. هيئة الأمم المتحدة.. مجلس الأمن.. البنك وصندوق النقد الدوليان.. والاتحادات الإقليمية؛ كالإفريقي وجامعة الدول العربية، ومجلس التعاون الخليجي.. الجميع مشكوكٌ في الغاية من وجوده".
تاريخ ضد المسلمين
يؤكد مراقبون أن “المحكمة الجنائية” لم تعد ملاذًا للضعفاء بعدما تحوّلت لعصا غليظة وأداة قانونية في يد الغرب لمعاقبة “الدول المارقة”، وهو وصف لصيق بالمسلمين، والتدخل في شؤون العالم الإسلامي بشكل قانوني بدلًا من التدخل العسكري.
ويضيف المراقبون أن الجنائية الدولية حققت منذ نشأتها مع 9 دول أفريقية أغلبها مسلمون ، ورفضت محاكمة أمريكا وإسرائيل؛ فهل هي مخصصة لمحاكمة الأفارقة فقط؟
وعندما نشأت المحكمة الجنائية الدولية بموجب اتفاقية روما 17 يوليو 1998، وبدأت عملها في أول يوليو 2002 كأول محكمة جزاء دولية (دائمة) بدلًا من قيام مجلس الأمن بتشكيل محاكم خاصة لمحاكمة مجرمي الحرب في العالم، استبشر بها المضطهدون في عالم اليوم خيرًا وظنوا أنها ستعوضهم عن ظلم الدول الكبرى وتعيد التوازن للعالم .
وشجّع المستضعفون في العالم على هذه النية الحسنة في “الجنائية الدولية” مزاياها مثل:
1- أنه سيكون في مقدور هذه المحكمة أن تتقبل دعاوى أفراد ودول وجماعات ضد دول أو أشخاص آخرين متهمين بجرائم حرب أو إبادة جماعية أو عدوان بشرط أن تكون هذه الجرائم تمّت بعد الأول من يوليو 2002 وليس بأثر رجعي .
2- أن عدم توقيع أي دولة على المعاهدة لا يعفي مسئوليها من المحاكمة؛ إذ يمكن محاكمة أشخاص من أمريكا أو إسرائيل أو دول أخرى رفضت التوقيع على المعاهدة في أي قضية إذا ما كانت الدولة التي وقعت فيها الجرائم صدقت على المعاهدة (فلسطين تسعى للتوقيع بعد قبولها كدولة من الجمعية العامة للأمم المتحدة).
3- أن وجود المحكمة –بعد تعطيل إنشائها منذ معاهدة فرساى 1919- سوف يردع -على الأقل- العديد من الأشخاص والدول معتادة الإجرام والقتل الجماعي خوفًا من محاكمة قادتها أو مسؤوليها؛ ممّا يتوقع معه تقلصًا لعدد هذه الجرائم نسبيًّا .
4- أن الفارق بين هذه المحكمة الجنائية الدولية الجديدة وبين محكمة جرائم الحرب القديمة في لاهاي بهولندا أن الثانية (محكمة لاهاي) تحاكم (دولًا)، في حين أن الأولى (الجنائية الدولية) سوف تحاكم (الأفراد) المتهمين بجرائم والذين ترفض حكوماتهم أو تتغاضى عن محاكمتهم عن هذه الجرائم التي قد تكون في حق أفراد من دول أخرى .
ولكن، شيئًا فشيئًا، ظهرت عيوب هذه المحكمة الجديدة التي لم تنظر منذ نشأتها سوى في تسع قضايا في دول أفريقية فقط هي: أوغندا – أفريقيا الوسطى – الكونغو الديمقراطية (زائير سابقًا) – دارفور (السودان) – ليبيا – ساحل العاج (كوت دي فوار) – مالي – كينيا – (أفريقيا الوسطي)، حتى سخر منها الأفارقة وقالوا إنها مخصصة لمحاكمة الأفارقة فقط.
المحكمة مع إجرام السيسي!
ورفضت المحكمة الجنائية الدولية طلبات قدمت لها من منظمات حقوقية ودول لمحاكمة مجرمي الحرب الأمريكان عن جرائمهم في أفغانستان والعراق، ورفضت طلبات لمحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين عن جرائهم في العدوان على غزة عام 2008 واستخدام أسلحة محرمة كالفسفور واليورانيوم المشع وقنابل الأعماق وغيرها لقتل أطفال ونساء وشيوخ غزة.
كما رفضت التحقيق في جرائم قتل السلطة في مصر لمعارضيها بعد انقلاب 3 يوليو، وما جرى من مذابح أكدتها منظمات دولية مثل هيومان رايتس واتش في فضّ اعتصامات سلمية للمعارضين في رابعة العدوية والنهضة ومناطق أخرى.
وفي كلّ مرّة كان يصدر فيها قرار من الجنائية الدولية برفض التحقيق في جرائم أمريكية أو إسرائيلية أو أوروبية، وبالمقابل قبول التحقيق مع دولة ضعيفة، كانت الحجج متهافتة، ففي الحالة الفلسطينية، رفضت الجنائية الدولية التحقيق في جرائم إسرائيل في غزة عدة مرات رغم تقديم طلبات من منظمات حقوقية عربية ودولية، بدعوى أن فلسطين ليست دولة، وأنها جزء من إسرائيل، وإسرائيل لم تشكُ نفسها وهي ليست عضوًا أصلًا في الجنائية الدولية.
ماذا قالت المحكمة للرئيس مرسي؟
وفي حالة الانقلاب العسكري في مصر، قال مدعي الجنائية الدولية أنّ الرئيس “مرسي” لم يعد له “السيطرة الفعلية” على مصر بعد الانقلاب العسكري عليه، “فرفضنا دعوى حزبه”!
وزعم البيان الذي أصدره مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في مايو الماضي 2014 ، أن السبب الرئيس لرفضه طلب تقدم به محامو حزب “الحرية والعدالة” في مصر للتحقيق في جرائم النظام العسكري الذي تولّى السلطة عقب انقلاب 3 يوليو 2013 ، هو أن “الدكتور مرسي لم يعد يمتلك “السيطرة الفعلية” على إقليم مصر ويُعترف به كحكومة لتلك الدولة بموجب القانون الدولي”.
وعلق خبراء قانون على ذلك بالقول أن الجميع يعلم أن هذه ليست حجّة وإلا لتمّ الاعتراف بأي انقلاب وأي جرائم بحجة الأمر الواقع الذي جاء بقوة السلاح والقوة وانتفت الحاجة للمحكمة الجنائية ذاتها.
السودان والعراق
وفي الحالة العراقية، جاء رفض التحقيق في جرائم الأمريكان بدعوى أن أمريكا ليست عضوًا في المحكمة؛ ففي عام 2006 وعندما بدأت تظهر آثار الجرائم التي تقوم بها القوات الأمريكية في العراق وكذا المرتزقة من شركات الأمن الغربية، تقدم عددٌ كبيرٌ من منظمات حقوق الإنسان العربية والدولية بالعديد من الشكاوى إلى مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية السابق لويس أوكامبو يطالبونه بالتحقيق في هذه الجرائم البشعة المتعلقة بجرائم حرب وقتل مدنيين تقوم بها القوات الأمريكية والبريطانية ومنتسبون لهما من مرتزقة ما سمي “شركات الحماية الخاصة” مثل “بلاك ووتر”.
وعلى العكس تمامًا في (الحالة السودانية)، جاءت المفاجأة حينما تبنى أوكامبو سياسية مختلفة تمامًا -رغم أنها مثل العراق ليست طرفًا أو عضوًا في ميثاق روما–، عندما قبل التحقيق بعدما أحال له مجلس الأمن قرار التحقيق فيما سمي جرائم حرب و”إبادة جماعية” في دارفور، ليخالف (أوكامبو السوداني) نظيرة (أوكامبو العراقي).
والمقارنة بين ما كتبه أوكامبو بنفسه في حالة العراق وبين ما صدر عنه في حالة السودان تكشف عن تناقضات خطيرة في الحالتين، وأن هناك حالة “تسيُّس” واضحة في نصّ خطاب (أوكامبو السوداني) فيما يخص حالة الرئيس البشير وبين حالة جرائم الحرب في العراق الموثقة والمعروفة بعكس الحالة في دارفور.
فالمقارنة لا تكشف فقط أنّ أوكامبو خالف ميثاق المحكمة -وخالف نفسه- بقصر دوره على تسليم رأي قانوني فيما يخص اتهام السودان للمحكمة الجنائية، عندما أعلن الأمر على الملأ أمام وسائل الإعلام وطالب باعتقال البشير، ولكن تكشف أيضًا عن “تسيُّس” واضح للقضية السودانية بعدما كشفت وزارة الخارجية الأمريكية طلبه اعتقال البشير قبل أن يعلنه هو رسميًّا بثلاثة أيام.